سورة النحل - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)}
قوله تعالى: {أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} قيل: {أَتى} بمعنى يأتي، فهو كقولك: إن أكرمتني أكرمتك. وقد تقدم أن أخبار الله تعالى في الماضي والمستقبل سواء، لأنه آت لا محالة، كقوله: {وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ}. و{أَمْرُ اللَّهِ} عقابه لمن أقام على الشرك وتكذيب رسوله. قال الحسن وابن جريج والضحاك: إنه ما جاء به القرآن من فرائضه وأحكامه. وفية بعد، لأنه لم ينقل أن أحدا من الصحابة استعجل فرائض الله من قبل أن تفرض عليهم، وأما مستعجلو العذاب والعقاب فذلك منقول عن كثير من كفار قريش وغيرهم، حتى قال النضر بن الحارث: {اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} الآية، فاستعجل العذاب. قلت قد يستدل الضحاك بقول عمر رضي الله عنه: وافقت ربى في ثلاث: في مقام إبراهيم، وفى الحجاب، وفى أسارى بدر، خرجه مسلم والبخاري. وقد تقدم في سورة البقرة.
وقال الزجاج: هو ما وعدهم به من المجازاة على كفرهم، وهو كقوله: {حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ}.
وقيل: هو يوم القيامة أو ما يدل على قربها من أشراطها. قال ابن عباس: لما نزلت {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} قال الكفار: إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت، فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون، فأمسكوا وانتظروا فلم يروا شيئا، فقالوا: ما نرى شيئا فنزلت {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ} الآية. فأشفقوا وانتظروا قرب الساعة، فامتدت الأيام فقالوا: ما نرى شيئا فنزلت {أَتى أَمْرُ اللَّهِ} فوثب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والمسلمون وخافوا، فنزلت: {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} فاطمأنوا، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» وأشار بإصبعيه: السبابة والتي تليها. يقول: إن كادت لتسبقني فسبقتها.
وقال ابن عباس: كان بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أشراط الساعة، وأن جبريل لما مر بأهل السموات مبعوثا إلى محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: الله أكبر، قد قامت الساعة. قوله تعالى: {سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تنزيها له عما يصفونه به من أنه لا يقدر على قيام الساعة، وذلك أنهم يقولون: لا يقدر أحد على بعث الأموات، فوصفوه بالعجز الذي لا يوصف به إلا المخلوق، وذلك شرك.
وقيل: {عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي عن إشراكهم.
وقيل: {ما} بمعنى الذي أي ارتفع عن الذين أشركوا به.


{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (2)}
قرأ المفضل عن عاصم {تنزل الملائكة} والأصل تتنزل، فالفعل مسند إلى الملائكة. وقرأ الكسائي عن أبى بكر عن عاصم باختلاف عنه، والأعمش {تنزل الملائكة} غير مسمى الفاعل. وقرأ الجعفي عن أبى بكر عن عاصم {تنزل الملائكة} بالنون مسمى الفاعل، الباقون {يُنَزِّلُ} بالياء مسمى الفاعل، والضمير فيه لاسم الله عز وجل.
وروى عن قتادة {تنزل الملائكة} بالنون والتخفيف. وقرأ الأعمش {تنزل} بفتح التاء وكسر الزاي، من النزول. {الملائكة} رفعا مثل {تنزل الملائكة}. {بِالرُّوحِ} أي بالوحي وهو النبوة، قاله ابن عباس. نظيره {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ}. الربيع بن أنس: بكلام الله وهو القرآن.
وقيل: هو بيان الحق الذي يجب اتباعه.
وقيل: أرواح الخلق، قاله مجاهد، لا ينزل ملك إلا ومعه روح. وكذا روى عن ابن عباس أن الروح خلق من خلق الله عز وجل كصور ابن آدم، لا ينزل من السماء ملك إلا ومعه واحد منهم. وقيل بالرحمة، قاله الحسن وقتادة.
وقيل: بالهداية، لأنها تحيا بها القلوب كما تحيا بالأرواح الأبدان، وهو معنى قول الزجاج. قال الزجاج: الروح ما كان فيه من أمر الله حياة بالإرشاد إلى أمره.
وقال أبو عبيدة: الروح هنا جبريل. والباء في قوله: {بِالرُّوحِ} بمعنى مع، كقولك: خرج بثيابه، أي مع ثيابه. {مِنْ أَمْرِهِ} أي بأمره. {عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} أي على الذين اختارهم الله للنبوة. وهذا رد لقولهم: {لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}. {أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} تحذير من عبادة الأوثان، ولذلك جاء الإنذار، لان أصله التحذير مما يخاف منه. ودل على ذلك قوله: {فَاتَّقُونِ}. و{أَنْ} في موضع نصب بنزع الخافض، أي بأن أنذروا أهل الكفر بأنه لا إله إلا الله، ف {أن} في محل نصب بسقوط الخافض أو بوقوع الإنذار عليه.


{خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)}
قوله تعالى: {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} أي للزوال والفناء.
وقيل: {بِالْحَقِّ} أي للدلالة على قدرته، وأن له أن يتعبد العباد بالطاعة وأن يحيى الخلق بعد الموت. {تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي من هذه الأصنام التي لا تقدر على خلق شي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8